فصل: من فوائد ابن عرفة في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

ومعنى: ضعفين: مِثْلا ما كانت تثمر بسبب الوابل، وبكونه في ربوة، لأن ريع الربا أكثر، ومن السيل والبرد أبعد، وقيل: ضعفي غيرها من الأرضين، وقيل: أربعة أمثالها، وهذا مبني على أن ضعف الشيء مثلاه.
وقال أبو مسلم: ثلاثة أمثالها، قال تاج القراء.
وليس لهذا في العربية وجه، وإيتاء الضعفين هو في حمل واحد.
وقال عكرمة، وعطاء: معنى ضعفين أنها حملت في السنة مرتين.
ويحتمل عندي أن يكون قوله: ضعفين، مما لا يزاد به شفع الواحد، بل يكون من التشبيه الذي يقصد به التكثير.
وكأنه قيل: فآتت أكلها ضعفين، ضعفًا بعد ضعف أي: أضعافًا كثيرة، وهذا أبلغ في التشبيه للنفقة بالجنة، لأن الحسنة لا يكون لها ثواب حسنتين، بل جاء تضاعف أضعافًا كثيرة، وعشر أمثالها، وسبع مائة وأزيد. اهـ.

.قال الفخر:

الطل: مطر صغير الفطر، ثم في المعنى وجوه:
الأول: المعنى أن هذه الجنّة إن لم يصبها وابل فيصيبها مطر دون الوابل، إلا أن ثمرتها باقية بحالها على التقديرين لا ينقص بسبب انتقاص المطر وذلك بسبب كرم المنبت الثاني: معنى الآية إن لم يصبها وابل حتى تضاعف ثمرتها فلابد وأن يصيبها طل يعطي ثمرًا دون ثمر الوابل، فهي على جميع الأحوال لا تخلوا من أن تثمر، فكذلك من أخرج صدقة لوجه الله تعالى لا يضيع كسبه قليلًا كان أو كثيرًا. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فإن لم يصبها وابل فطل} قال ابن عيسى: فيه إضمار، التقدير: فإن لم يكن يصيبها وابل كما قال الشاعر:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة

أي: لم تكن تلدني، والمعنى: إن الطل يكفيها وينوب مناب الوابل في إخراج الثمرة ضعفين، وذلك أكرم الأرض وطيبها، فلا تنقص ثمرتها بنقصان المطر.
وقيل: المعنى فإن لم يصبها وابل فيتضاعف ثمرها، وأصابها طل فأخرجت دون ما تخرجه بالوابل، فهي على كل حال لا تخلو من أن تثمر. اهـ.
وقال أبو حيان:
ودعوى التقديم والتأخير في الآية، على ما قاله بعضهم، من أن المعنى أصابها وابل. فإن لم يصبها وابل فطل.
فآتت أكلها ضعفين حتى يجعل إيتاؤها الأكل ضعفين على الحالين من الوابل والطل، لا حاجة إليها.
والتقديم والتأخير من ضرورات الشعر، فينزه القرآن عن ذلك. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} أي فيصيبها، أو فالذي يصيبها طل أو فطل يكفيها، والمراد أن خيرها لا يخلف على كل حال لجودتها وكرم منبتها ولطافة هوائها والطل الرذاذ من المطر وهو اللين منه.
وحاصل هذا التشبيه أن نفقات هؤلاء زاكية عند الله تعالى لا تضيع بحال وإن كانت تتفاوت بحسب تفاوت ما يقارنها من الإخلاص والتعب وحب المال والإيصال إلى الأحوج التقي وغير ذلك، فهناك تشبيه حال النفقة النامية لابتغاء مرضاة الله تعالى الزاكية عن الأدناس لأنها للتثبيت الناشئ عن ينبوع الصدق والإخلاص بحال جنة نامية زاكية بسبب الربوة وأحد الأمرين الوابل، والطل، والجامع النمو المقرون بالزكاء على الوجه الأتم، وهذا من التشبيه المركب العقلي ولك أن تعتبر تشبيه حال أولئك عند الله تعالى بالجنة على الربوة ونفقتهم القليلة والكثيرة بالوابل والطل؛ فكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكل تلك الجنة فكذلك نفقتهم جلت أو قلت بعد أن يطلب بها وجه الله تعالى زاكية زائدة في زلفاهم وحسن حالهم عند ربهم جل شأنه كذا قيل: وهو محتمل لأن يكون التشبيه حينئذٍ من المفرق ويحتمل أن يكون من المركب والكلام مساق للإرشاد إلى انتزاع وجه الشبه وطريق التركيب، والفرق إذ ذاك بأن الحال للنفقة في الأول وللمنفق في الثاني.
والحاصل أن حالهم في إنتاج القل والكثر منهم الأضعاف لأجورهم كحال الجنة في إنتاج الوابل والطل الواصلين إليها الإضعاف لأثمارها، واختار بعضهم الأول، وأبى آخرون الثاني فافهم. اهـ.

.قال السعدي:

{فإن لم يصبها وابل فطل} أي: مطر قليل يكفيها لطيب منبتها، فهذه حالة المنفقين أهل النفقات الكثيرة والقليلة كل على حسب حاله، وكل ينمى له ما أنفق أتم تنمية وأكملها والمنمي لها هو الذي أرحم بك من نفسك، الذي يريد مصلحتك حيث لا تريدها، فيالله لو قدر وجود بستان في هذه الدار بهذه الصفة لأسرعت إليه الهمم وتزاحم عليه كل أحد، ولحصل الاقتتال عنده، مع انقضاء هذه الدار وفنائها وكثرة آفاتها وشدة نصبها وعنائها، وهذا الثواب الذي ذكره الله كأن المؤمن ينظر إليه بعين بصيرة الإيمان، دائم مستمر فيه أنواع المسرات والفرحات، ومع هذا تجد النفوس عنه راقدة، والعزائم عن طلبه خامدة، أترى ذلك زهدا في الآخرة ونعيمها، أم ضعف إيمان بوعد الله ورجاء ثوابه؟! وإلا فلو تيقن العبد ذلك حق اليقين وباشر الإيمان به بشاشة قلبه لانبعثت من قلبه مزعجات الشوق إليه، وتوجهت همم عزائمه إليه، وطوعت نفسه له بكثرة النفقات رجاء المثوبات، ولهذا قال تعالى: {والله بما تعملون بصير} فيعلم عمل كل عامل ومصدر ذلك العمل، فيجازيه عليه أتم الجزاء. اهـ.

.قال أبو حيان:

قال زيد بن أسلم: المضروب به المثل أرض مصر، إن لم يصبها مطر زكت، وإن أصابها مطر أضعفت.
قال الزمخشري: مثل حالهم عند الله بالجنة على الربوة، ونفقتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطل، فكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكل الجنة، فكذلك نفقتهم كثيرة، كانت أو قليلة، بعد أن يطلب بها وجه الله ويبذل فيها الوسع، زاكية عند الله، زائدة في زلفاهم وحسن حالهم عنده.
انتهى كلامه.
وقال الماوردي قريبًا من كلام الزمخشري، قال: أراد بضرب هذا المثل أن كثير البر مثل زرع المطر، كثير النفع، وقليل البر مثل زرع الطل، قليل النفع.
فلا يدع قليل البر إذا لم يفعل كثيره، كما لا يدع زرع الطل إذا لم يقدر على زرع المطر.
انتهى كلامه.
وقال ابن عطية: شبه نموّ نفقات هؤلاء المخلصين الذين يربي الله صدقاتهم كتربية الفصيل والفلو، بنموّ نبات هذه الجنة بالربوة الموصوفة، بخلاف الصفوان الذي انكشف عنه ترابه فبقي صلدًا.
وقال ابن الجوزي: معنى الآية أن صاحب هذه الجنة لا يخيب فإنها إن أصابها الطل حسنت، وإن أصابها الوابل أضعفت، فكذلك نفقة المؤمن المخلص. اهـ.

.قال الفخر:

المراد من البصير العليم، أي هو تعالى عالم بكمية النفقات وكيفيتها، والأمور الباعثة عليها، وأنه تعالى مجاز بها إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر. اهـ.

.قال أبو حيان:

{والله بما تعملون بصير} قرأ الزهري، بالياء، فظاهره أن الضمير يعود على المنافقين، ويحتمل أن يكون عامًا فلا يختص بالمنافقين، بل يعود على الناس أجمعين. وقرأ الجمهور بالتاء، على الخطاب، وفيه التفات. والمعنى: أنه تعالى لا يخفى عليه شيء من الأعمال والمقاصد من رياء وإخلاص، وفيه وعد ووعيد. اهـ.

.قال الألوسي:

في الجملة ترغيب للأوّل، وترهيب للثاني مع ما فيها من الإشارة إلى الحط على الأخير حيث قصد بعمله رؤية من لا تغني رؤيته شيئًا وترك وجه البصير الحقيقي الذي تغني وتفقر رؤيته عز شأنه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

هذه آيات كثيرة ذكرها الله تعالى على جهة ضرب المثل للمخلص والمنافق: لمن أنفق في سبيل الله، ولمن أنفق ماله في الباطل؛ فهؤلاء يحصل لهم الشرف والخلف، وهؤلاء لا يحصل لهم في الحال إلا الردّ، وفي المآل إلا التلف. وهؤلاء ظلَّ سعيهم مشكورًا، وهؤلاء يدعون ثبورًا ويَصْلَوْنَ سعيرًا. هؤلاء تزكو أعمالهم وتنمو أموالهم وتعلو عند الله أحوالهم وتكون الوصلة مآلهم، وهؤلاء حَبِطَتْ أعمالهم وخسرت أحوالهم وختم بالسوء آمالهم ويضاعف عليهم وَبالهم.
ويقال مَثَلُ هؤلاء كالذي أنبت زرعًا فزكا أصله ونما فصله، وعلا فَرْعُه وكثر نَفْعُه. ومَثَلُ هؤلاء كالذي خسرت صفقته وسرقت بضاعته وضاعت- على كبره- حيلته وتواترت من كل وجهٍ وفي كل وقت محنته... هل يستويان مثلًا؟ هل يتقاربان شَبَها؟. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قوله تعالى: {وَمَثَلُ الذين يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابتغاء مَرْضَاتِ الله}.
تأوله المفسرون إمّا على الإضمار في الثاني أي كمثل غارس جنة بربوة أو على الإضمار في الأول أي ومثل إنفاق الذين ينفقون أموالهم.
قال ابن عرفة: والظاهر أن يكون التقدير ومثل مال الذين ينفقون أموالهم فالمال هو الذي يُشبه {جَنَّة بِرَبْوَةٍ} و{تَثْبِيتا مِنْ أَنفُسِهِمْ}.
قال ابن عطية: {ابْتِغَاءَ} مفعول من أجله فكيف عطف عليه {تثبيتا} مع أنّ التثبيت سبب في {ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ} ومتقدم عليه فهو علة فيه.
وأجيب بأنّه علة غائبة فذكره أبو حيان.
قوله تعالى: {فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ}.
قال المفسرون: الضعف هو المثل، أي آتت أُكلها المعهود على مرتين أعني آتته وآتت مثله معه.
قال ابن عرفة: ووقع في ابن الحاجب ما نصه: ولو أوصى بضعف نصيب ابنه فلا نص.
فقيل مثله وقيل مثليه.
ابن عرفة: فعلى هذا الخلاف يكون المعنى فأتت أكلها أربع مرات وعلى القول الآخر يكون كما قال المفسرون.
قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ}.
قال المفسرون: إن أصابها الوابل تؤتي أكلها مرتين وإن أصابها الطلّ فقط تؤتي أكلها مرة واحدة.
ابن عرفة: ولا يمتنع أن يراد أنها تؤتي أكلها مرتين سواء أصابها وابل أو طلّ ويكون ذلك مدحا فيها وتأكيدا في أوصاف حسنها. اهـ.